الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

الطهارة




فروع الفقه الحنبلي

المبدع في شرح المقنع

 الجزء الحادي عشر التحليل الموضوعي
[ ص: 5 ] كتاب الطهارة .
 

" الكتاب " مصدر سمي به المكتوب ، كالخلق بمعنى المخلوق ، يقال : كتبت كتبا وكتابة ، والكتب الجمع ، يقال : كتبت البغلة إذا جمعت بين شفري حيائها بحلقة أو سير ؛ لئلا ينزى عليها ، قال سالم بن دارة : 
لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك واكتبها بأسيار

ومنه الكتيبة واحدة الكتائب ، وهو العسكر المجتمع ، تكتب : تجمع وقيل : هي العسكر الذي يجتمع فيه جميع ما يحتاج إليه للحرب ، ومنه كتبت الكتاب ؛ أي جمعت فيه الحروف والمعاني المحتاج إليها ، من " شرح الحماسة " . 

وهو في الاصطلاح اسم لجنس من الأحكام ونحوها تشتمل على أنواع مختلفة ، كالطهارة مشتملة على المياه والوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة وغيرها ، وهو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هذا كتاب الطهارة ؛ أي الجامع لأحكامها . 

" الطهارة " . 

هي في اللغة النزاهة والنظافة عن الأقذار ، يقال : طهرت المرأة من الحيض والرجل من الذنوب بفتح الهاء وضمها وكسرها . وهي في الشرع : رفع ما يمنع الصلاة وما في معناه من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتراب 

شرح عمدة الفقه



 ص: 60 ] " كتاب الطهارة " 

( باب أحكام المياه ) 

مسألة : 

" خلق الماء طهورا يطهر من الأحداث والنجاسات " 

الطهور هو ما يتطهر به مثل الفطور والسحور والوجور ، فأما الطهور فمصدر طهر الشيء ، وطهر طهارة وطهرا وطهورا ليس الطهور هو الطاهر ولا مبالغة فيه . وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميته " ، وقال : " جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا " أي مطهرة ، وهذه صفة للماء دون غيره من المائعات ، فلذلك طهر غيره ودفع النجاسة عن نفسه . 

والحدث : هو معنى يقوم بالبدن تمتنع معه الصلاة والطواف . 

والنجاسة : هي أعيان مستخبثة في الشرع يمتنع المصلي من استصحابها ، وهي في الأصل مصدر نجس الشيء ينجس نجاسة فهو نجس ، ويقال نجس الشيء ينجس نجسا ثم سمي الشيء النجس نجاسة ونجسا فلا يثنى ولا يجمع إلا أن يريد الأنواع ، والماء يطهر من الحدث والنجاسة لقوله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) وقوله تعالى : ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) [ ص: 61 ] وقوله في آية الوضوء ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) . وتطهر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالماء مشهور وأجمعت الأمة على ذلك .


تفسير القرآن

التفسير الكبير

مسألة: التحليل الموضوعي
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : أَعْضَاءُ الْمُحْدِثِ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً حُكْمِيَّةً ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ نَجِسٌ ، ثُمَّ رَوَى أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً ، وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ طَاهِرٌ . 

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ "إِنَّمَا" لِلْحَصْرِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا نَجَسَ إِلَّا الْمُشْرِكُ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَعْضَاءَ الْمُحْدِثِ نَجِسَةٌ مُخَالِفٌ لِهَذَا النَّصِّ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا النَّصَّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُشْرِكَ نَجَسٌ ، وَفِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِنَجَسٍ ، ثُمَّ إِنَّ قَوْمًا مَا قَلَبُوا الْقَضِيَّةَ ، وَقَالُوا : الْمُشْرِكُ طَاهِرٌ وَالْمُؤْمِنُ حَالَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا نَجِسٌ ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمِيَاهَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا الْمُشْرِكُونَ فِي أَعْضَائِهِمْ بَقِيَتْ طَاهِرَةً مُطَهِّرَةً ، وَالْمِيَاهَ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَكَابِرُ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَعْضَائِهِمْ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً ، وَهَذَا مِنَ الْعَجَائِبِ ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ الْقَوْلَ بِطَهَارَةِ أَعْضَاءِ الْمُسْلِمِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا " فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ مُطَابِقًا لِلْقُرْآنِ ، ثُمَّ الِاعْتِبَارَاتُ الْحُكْمِيَّةُ طَابَقَتِ الْقُرْآنَ ، وَالْأَخْبَارَ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِنْسَانًا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ رَطْبَةً ، فَوَصَلَتْ إِلَى يَدِ مُحْدِثٍ لَمْ تَنْجُسْ يَدُهُ ، وَلَوْ عَرِقَ الْمُحْدِثُ وَوَصَلَتْ تِلْكَ النَّدَاوَةُ إِلَى ثَوْبِهِ لَمْ يَنْجُسْ ذَلِكَ الثَّوْبُ ، فَالْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ وَالْإِجْمَاعُ تَطَابَقَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ مُخَالَفَتُهُ ؟ وَشُبْهَةُ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْوُضُوءَ يُسَمَّى طَهَارَةً ، وَالطَّهَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ سَبْقِ النَّجَاسَةِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي إِزَالَةِ الْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [الْأَحْزَابِ : 33] وَلَيْسَتْ هَذِهِ الطَّهَارَةُ إِلَّا عَنِ الْآثَامِ وَالْأَوْزَارِ ، وَقَالَ فِي صِفَةِ مَرْيَمَ :( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ ) [آلِ عِمْرَانَ : 42] وَالْمُرَادُ تَطْهِيرُهَا عَنِ التُّهْمَةِ الْفَاسِدَةِ . 

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ عَنِ الْآثَامِ وَالْأَوْزَارِ ، فَلَمَّا فَسَّرَ الشَّارِعُ كَوْنَ الْوُضُوءِ طَهَارَةً بِهَذَا الْمَعْنَى ، فَمَا الَّذِي حَمَلَنَا عَلَى مُخَالَفَتِهِ ، وَالذَّهَابِ إِلَى شَيْءٍ يُبْطِلُ الْقُرْآنَ وَالْأَخْبَارَ وَالْأَحْكَامَ الْإِجْمَاعِيَّةَ ؟ 

الفقه المقارن

المجموع شرح المهذب

مسألة: الجزء الثاني التحليل الموضوعي
قال المصنف رحمه الله تعالى ( : إذا حاضت المرأة حرم عليها الطهارة ; لأن الحيض يوجب الطهارة ، وما أوجب الطهارة منع صحتها كخروج البول ) . 





الحاشية رقم: 1
( الشرح ) هذه المسألة عدها جماعات من مشكلات المهذب ; لكونه صرح بتحريم الطهارة ، والطهارة إفاضة الماء على الأعضاء ، وليس إفاضة الماء محرمة عليها مع أنها يستحب لها أنواع كثيرة من الطهارة كغسل الإحرام وغيره ، وقد وافق الشاشي المصنف في العبارة فقال في المعتمد : يحرم عليها الطهارة . والذي قاله جمهور الأصحاب : لا تصح طهارتها ، وذكر صاحب البيان في كتابه مشكلات المهذب : أن لكلام المصنف تأويلين ، ( أحدهما ) ( قال ) وهو الأظهر : إن معنى حرم عليها الطهارة أي لم تصح طهارتها وتعليله يقتضيه ، ( والثاني ) : مراده إذا قصدت الطهارة تعبدا مع علمها بأنها لا تصح [ ص: 383 ] فتأثم بهذا ; لأنها متلاعبة بالعبادة ، فأما إمرار الماء عليها بغير قصد العبادة فلا تأثم به بلا خلاف . وهذا كما أن الحائض إذا أمسكت عن الطعام بقصد الصوم أثمت ، وإن أمسكت بلا قصد لم تأثم . وهذا التأويل الثاني هو الصحيح ، كما يحرم على المحدث فعل الصلاة وإن كانت لا تصح منه . قال إمام الحرمين وجماعة من الخراسانيين : لا يصح غسل الحائض إلا على قول بعيد : أن الحائض تقرأ القرآن ، فعلى هذا لو أجنبت ثم حاضت لم يجز لها القراءة ، فلو اغتسلت صح غسلها وقرأت ، وقد سبق بيان هذا في باب ما يوجب الغسل . 

( فرع ) هذا الذي ذكرناه من أنه لا تصح طهارة حائض ، هو في طهارة لرفع حدث سواء كانت وضوءا أو غسلا ، وأما الطهارة المسنونة للنظافة كالغسل للإحرام والوقوف ورمي الجمرة فمسنونة للحائض بلا خلاف . صرح بذلك أصحابنا وصرح به المصنف أيضا في أول باب الإحرام ، ويدل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت : { اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي } رواه البخاري ومسلم . 


إظهار التشكيل|إخفاء التشكيل
مسألة: الجزء الأول التحليل الموضوعي
قال المصنف - رحمه الله تعالى باب نية الوضوء . ( الطهارة ضربان : طهارة عن حدث ، وطهارة عن نجس . فأما الطهارة عن النجس فلا تفتقر إلى النية لأنها من باب المتروك ، فلا تفتقر إلى نية ، كترك الزنا والخمر واللواط والغصب والسرقة ) . 





الحاشية رقم: 1
( الشرح ) قال أهل اللغة : النية القصد وعزم القلب ، وهي بتشديد الياء ، وهذه هي اللغة المشهورة ، ويقال بتخفيفها . قال الأزهري : هي مأخوذة [ ص: 353 ] من قولك نويت بلدة كذا أي عزمت بقلبي قصده . قال : ويقال للموضع الذي يقصده نية بتشديد الياء ونية بتخفيفها ، وكذلك الطية والطية العزم والموضع ، قاله ابن الأعرابي ، وانتويت موضع كذا أي قصدته للنجعة . ويقال للبلد المنوي نوي أيضا ، ويقال نواك الله أي حفظك ، كان المعنى قصد الله بحفظه إياك ، فالنية عزم القلب على عمل فرض أو غيره هذا كلام الأزهري . وكذا ذكر غيره تشديد الياء وتخفيفها من النية . 

وأما الوضوء فهو من الوضاءة بالمد وهي النظافة والنضارة وفيه ثلاث لغات : أشهرها أنه بضم الواو اسم للفعل ، وبفتحها اسم للماء الذي يتوضأ به ، قال ابن الأنباري وغيره : وهذه اللغة هي قول الأكثرين من أهل اللغة . والثانية بفتح الواو فيهما وهي قول الخليل والأصمعي وابن السكيت وغيرهم ، قال الأزهري : والضم لا يعرف . والثالثة بالضم فيهما وهي غريبة ضعيفة حكاها صاحب مطالع الأنوار ، وهذه اللغات هي التي في الطهور والطهور ، وقد سبقت في أول كتاب الطهارة والله أعلم . 

وأما قول المصنف : " الطهارة ضربان ، طهارة عن حدث وطهارة عن نجس " فمعناه أن الطهارة منحصرة في هذين الضربين فيرد عليه تجديد الوضوء والأغسال المسنونة فإنها طهارة وليس فيها رفع حدث ولا إزالة نجس ، ويجاب عنه بأن المراد بطهارة الحدث الطهارة بسبب الحدث أو على صورتها ، وينقسم إلى رافعة للحدث وغير رافعة كتجديد الوضوء والأغسال المسنونة والتيمم ، وقد سبق مثل هذه العبارة في أول باب ما يفسد الماء من الاستعمال ، وذكر المصنف هناك ما يدل على ما ذكرته والله أعلم . وقوله : كترك الزنا هو بالقصر والمد لغتان ، القصر أشهر وأفصح وبه جاء القرآن ( { ولا تقربوا الزنا } ) . وقوله : لأنها من باب المتروك معناه أن المأمور به في إزالة النجاسة ترك ما طرأ عليه مما لم يكن ، وليس المطلوب تحصيل شيء بخلاف الوضوء وشبهه فإن المأمور به إيجاد فعل لم يكن ، فصارت إزالة النجاسة كترك الزنا واللواط ورد المغصوب فإنها لا تفتقر إلى نية . فإن قيل : فالطهارة عن الحدث ترك أيضا فإنها ترك للحدث . [ ص: 354 ] فالجواب ) لا نسلم أنها ترك بل إيجاد للطهارة بدليل أن تجديد الوضوء والتيمم طهارة ولا ترفع حدثا ، وإنما توجد الطهارة . فإن قيل : الصوم ترك ويفتقر إلى النية ، فالجواب أن الصوم كف مقصود لقمع الشهوة ومخالفة الهوى فالتحق بالأفعال والله أعلم . أما الحكم الذي ذكره وهو أن إزالة النجاسة لا تفتقر إلى نية فهو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ، ونقل صاحب الحاوي والبغوي في شرح السنة إجماع المسلمين عليه ، وحكى الخراسانيون وصاحب الشامل وجها أنه يفتقر إلى النية ، حكاه القاضي حسين وصاحبا الشامل والتتمة عن ابن سريج وأبي سهل الصعلوكي ، وقيل : لا يصح عن ابن سريج . قال إمام الحرمين : غلط من نسبه إلى ابن سريج ، وبين الإمام سبب الغلط بما سنذكره في باب إزالة النجاسة إن شاء الله تعالى . والله أعلم 






الحاشية رقم: 1
الشرح : أما الكتاب فسبق بيانه ، والباب : هو الطريق إلى الشيء والموصل إليه ، وباب المسجد والدار ما دخل منه إليه ، وباب المياه ما يوصل به إلى أحكامها ، وقد يذكرون في الباب أشياء لها تعلق بمقصود الباب ، وإن لم يكن مما ترجم له كإدخاله الختان وتقليم الأظفار وقص الشارب ونحوها في باب السواك ; لكونها جميعا من خصال الفطرة فيكون التقدير باب السواك وما يتعلق به ويقاربه . 

وقوله : يجوز الطهارة لفظة يجوز يستعملونها تارة بمعنى يحل ، وتارة بمعنى يصح ، وتارة تصلح للأمرين ، وهذا الموضع مما يصلح فيه للأمرين . وأما الطهارة فهي في اللغة النظافة والنزاهة عن الأدناس ، ويقال : طهر الشيء بفتح الهاء وطهر بضمها ، والفتح أفصح يطهر بالضم والاسم الطهر ، والطهور بفتح الطاء : اسم لما يتطهر به ، وبالضم : اسم للفعل ، هذه اللغة المشهورة التي عليها الأكثرون من أهل اللغة . واللغة الثانية : بالفتح فيهما واقتصر عليها جماعات من كبار أهل اللغة . 

وحكى صاحب مطالع الأنوار الضم فيهما ، وهو غريب شاذ ضعيف ، وقد أوضحت هذا كله مفاضا في تهذيب الأسماء واللغات . وأما الطهارة في اصطلاح الفقهاء فهي إزالة حدث أو نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما ، وقولنا : في معناهما أردنا به التيمم والأغسال المسنونة كالجمعة وتجديد الوضوء والغسلة الثانية والثالثة في الحدث والنجس أو مسح الأذن والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة ، وطهارة المستحاضة وسلس البول ، فهذه كلها طهارات ، ولا ترفع حدثا ولا نجسا ، وفي المستحاضة والسلس والتيمم وجه ضعيف : أنها ترفع . 

[ ص: 124 ] وأما المياه فجمع ماء ، وهو جمع كثرة وجمعه في القلة أمواه ، وجمع القلة عشرة فما دونها ، والكثرة فوقها ، وأصل ماء موه ، وهو أصل مرفوض ، والهمزة في ماء بدل من الهاء إبدال لازم عند بعض النحويين ، وقد ذكر صاحب المحكم لغة أخرى فيه أن يقال : ماه على الأصل ، وهذا يبطل دعوى لزوم الإبدال . 

وإنما قال المصنف : مياه وأتى بجمع الكثرة ; لأن أنواع الماء زائدة على العشرة ، فإنه طاهر وطهور ونجس ، والطهور ينقسم إلى ماء السماء وماء الأرض ، وماء السماء ينقسم إلى مطر وذوب ثلج وبرد ، وماء الأرض إلى ماء أنهار وبحار وآبار ومشمس ومسخن ومتغير بالمكث ، وبما لا يمكن صونه منه وبالتراب وغير ذلك من أنواعه ، وينقسم الطاهر والنجس أقساما معروفة . وبدأ المصنف بكتاب الطهارة ثم باب المياه ، وكذا فعله الشافعي والأصحاب وكثيرون من العلماء لمناسبة حسنة ، ذكرها صاحب التتمة وهو أبو سعيد بن عبد الرحمن بن المأمون المتولي ، قال : بدأنا بذلك لحديث ابن عمر : رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان } ، وفي رواية { وصوم رمضان والحج } رواه البخاري ومسلم ، فبدأ صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان بالصلاة ، والعرب تبدأ بالأهم فكان تقديم الصلاة أهم ، وأما التوحيد فله كتب مستقلة ، وهو علم الكلام وقدموا الصوم على الحج ; لأنه جاء في إحدى الروايتين ; ولأنه أعم وجوبا من الحج ، فإنه يجب على كثيرين ممن لا حج عليه ، ويجب أيضا على الفور ويتكرر وإذا ثبت تقديم الصلاة فينبغي تقديم مقدماتها ، ومنها الطهارة ثم من الطهارة أهمها والأصل فيها ، وهو الماء وبالله التوفيق 


مسألة: الجزء الأول التحليل الموضوعي
[ ص: 21 ] قال أبو القاسم رحمه الله : باب ما تكون به الطهارة من الماء ، التقدير : هذا باب ما تكون به الطهارة من الماء ، فحذف المبتدأ للعلم به ، وقوله " ما تكون الطهارة به " ، أي تحصل وتحدث ، وهي هاهنا تامة غير محتاجة إلى خبر . 

ومتى كانت تامة كانت بمعنى الحدث والحصول ، تقول : كان الأمر ، أي حدث ووقع ; قال الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } أي : إن وجد ذو عسرة . 

وقال الشاعر 
إذا كان الشتاء فأدفئوني فإن الشيخ يهرمه الشتاء
أي إذا جاء الشتاء . وفي نسخة مقروءة على ابن عقيل : ( باب ما تجوز به الطهارة من الماء ) ومعناهما متقارب . 

والطهارة في اللغة : النزاهة عن الأقذار ، وفي الشرع : رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء ، أو رفع حكمه بالتراب . 

فعند إطلاق لفظ الطهارة في لفظ الشارع أو كلام الفقهاء ينصرف إلى الموضوع الشرعي دون اللغوي وكذلك كل ماله موضوع شرعي ولغوي ، إنما ينصرف المطلق منه إلى الموضوع الشرعي كالوضوء ، والصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، ونحوه ; لأن الظاهر من صاحب الشرع التكلم بموضوعاته . 

والطهور - بضم الطاء - : المصدر ، قاله اليزيدي والطهور - بالفتح - من الأسماء المتعدية ، وهو الذي يطهر غيره ، مثل الغسول الذي يغسل به . 

وقال بعض الحنفية : هو من الأسماء اللازمة ، بمعنى الطاهر سواء ; لأن العرب لا تفرق بين الفاعل والمفعول في التعدي واللزوم ، فما كان فاعله لازما كان فعوله لازما . 

بدليل قاعد وقعود ، ونائم ونئوم ، وضارب [ ص: 22 ] وضروب . وهذا غير صحيح ; فإن الله تعالى قال { ليطهركم به } ، وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ; نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } . متفق عليه ، ولو أراد به الطاهر لم يكن فيه مزية ; لأنه طاهر في حق كل أحد . 

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم { عن التوضؤ بماء البحر ، فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته . } 

ولو لم يكن الطهور متعديا لم يكن ذلك جوابا للقوم ، حيث سألوه عن التعدي ، إذ ليس كل طاهر مطهرا ، وما ذكروه لا يستقيم ; لأن العرب فرقت بين الفاعل والفعول ، فقالت : قاعد لمن وجد منه القعود ، وقعود لمن يتكرر منه ذلك ، فينبغي أن يفرق بينهما هاهنا ، وليس إلا من حيث التعدي واللزوم . 
المغني
موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة



( 1 ) مسألة : قال أبو القاسم ، رحمه الله : ( والطهارة بالماء الطاهر المطلق الذي لا يضاف إلى اسم شيء غيره : مثل ماء الباقلا ، وماء الورد ، وماء الحمص وماء الزعفران ، وما أشبهه ، مما لا يزايل اسمه اسم الماء في وقت ) . 

قوله " " والطهارة " مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : والطهارة مباحة ، أو جائزة ، ونحو ذلك ، والألف واللام للاستغراق ، فكأنه قال : وكل طهارة جائزة بكل ماء طاهر مطلق ، والطاهر : ما ليس بنجس . 

والمطلق : ما ليس بمضاف إلى شيء غيره . وهو معنى قوله " لا يضاف إلى اسم شيء غيره " . وإنما ذكره صفة له وتبيينا ، ثم مثل الإضافة ، فقال : " مثل ماء الباقلا ، وماء الورد ، وماء الحمص ، وماء الزعفران ، وما أشبهه " . 

وقوله : " مما لا يزايل اسمه اسم الماء في وقت " ، صفة للشيء الذي يضاف إليه الماء ، ومعناه : لا يفارق اسمه اسم الماء . والمزايلة : المفارقة ; قال الله تعالى : { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } ، وقال أبو طالب 
وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
أي المفارق . أي : لا يذكر الماء إلا مضافا إلى المخالط له في الغالب . 

ويفيد هذا الوصف الاحتراز من المضاف إلى مكانه ومقره ، كماء النهر والبئر ; فإنه إذا زال عن مكانه زالت النسبة في الغالب ، وكذلك ما تغيرت رائحته تغيرا يسيرا ، فإنه لا يضاف في الغالب . 

وقال القاضي : هذا احتراز من المتغير بالتراب ; لأنه يصفو عنه ، ويزايل اسمه اسمه . وقد دلت هذه المسألة على أحكام منها إباحة الطهارة بكل ماء موصوف بهذه الصفة التي ذكرها ، على أي صفة كان من أصل الخلقة ، من الحرارة والبرودة ، والعذوبة والملوحة ، نزل من السماء ، أو نبع من الأرض ، في بحر أو نهر أو بئر أو غدير ، أو غير ذلك . 

وقد دل على ذلك قول الله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } ، وقوله سبحانه : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم { : الماء طهور لا ينجسه شيء } ، وقوله في البحر : { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } . 

وهذا قول عامة أهل العلم ، إلا أنه حكي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو ، أنهما قالا في البحر : التيمم أعجب إلينا منه . هو نار . 

وحكاه الماوردي عن سعيد بن المسيب . والأول أولى ، لقول الله تعالى : [ ص: 23 ] { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وماء البحر ماء ، لا يجوز العدول إلى التيمم مع وجوده . 

وروي عن أبي هريرة قال : { سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو الطهور ماؤه الحل ميتته } أخرجه أبو داود ، والنسائي والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح . 

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله " ولأنه ماء باق على أصل خلقته ، فجاز الوضوء به كالعذب . 

وقولهم : " هو نار " إن أريد به أنه نار في الحال فهو خلاف الحس ، وإن أريد أنه يصير نارا ، لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماء 


فروع الفقه الحنبلي

كشاف القناع عن متن الإقناع


التفسير الكبير






مسألة: الجزء الأول التحليل الموضوعي
كتاب الطهارة 

بدأ بذلك اقتداء بالأئمة ، كالشافعي ; لأن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة ، والطهارة شرطها ، والشرط مقدم على المشروط وهي تكون بالماء والتراب [ ص: 23 ] والماء هو الأصل وبدأ بربع العبادات اهتماما بالأمور الدينية وتقديما لها على الأمور الدنيوية ، وقدموا المعاملات على النكاح وما يتعلق به لأن سبب المعاملات - وهو الأكل والشرب ونحوهما - ضروري يستوي فيه الكبير والصغير وشهوته مقدمة على شهوة النكاح . 

وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات ; لأن وقوع ذلك في الغالب بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج والكتاب : مصدر بمعنى المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق ، يقال : كتب كتبا وكتابا وكتابة ، ومعناها : الجمع يقال : كتبت البغلة إذا جمعت : بين شفرتها بحلقة أو سير . 

قال سالم بن دارة 
: لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك واكتبها بأسيار
أي واجمع بين شفريها ومنه الكتيبة وهي الجيش . 

والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف وأما الكثبة بالمثلثة فالرمل المجتمع واعترض القول بأن الكتاب مشتق من الكتب بأن المصدر لا يشتق من مثله وجوابه : أن المصدر في نحو ذلك وأريد به اسم المفعول كما تقدم ، فكأنه قيل المكتوب للطهارة أو المكتوب للصلاة ونحوها ، أو أن المراد به الاشتقاق الأكبر ، وهو اشتقاق الشيء لما يناسبه مطلقا ، كالبيع مشتق من الباع أي مأخوذ منه وإن المصدر المزيد مشتق من المصدر المجرد كما نص عليه بعضهم . 

وكتاب الطهارة : خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا كتاب الطهارة ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو مفعول لفعل محذوف ، وكذا تقدر في نظائره الآتية ( وهي ) أي الطهارة لغة النظافة والنزاهة عن الأقذار حسية كانت أو معنوية ، ومنه ما في الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا دخل على مريض قال لا بأس ، طهور إن شاء الله } أي مطهر من الذنوب ، والطهارة مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما وهو فعل لازم لا يتعدى إلا بالتضعيف فيقال طهرت الثوب ، ومصدر [ ص: 24 ] طهر بفتح الهاء الطهر ، كحكم حكما . 

وشرعا : ( ارتفاع الحدث ) أكبر كان أو أصغر أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها باستعمال الماء في جميع البدن أو في الأعضاء الأربعة على وجه مخصوص وعبر بالارتفاع ليطابق بين المفسر والمفسر ، ولم يعبر بالرفع - كما عبر به جمع ; لأنه تعريف للتطهير لا الطهارة ، ولكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه وسمي الوضوء والغسل طهارة لكونه ينقي الذنوب والآثام كما في الإخبار ( وما في معناه ) أي معنى ارتفاع الحدث كالحاصل بغسل الميت ; لأنه تعبدي لا عن حدث والحاصل بغسل يدي القائم من نوم الليل والوضوء والغسل المستحبين والغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك . 

( وزوال النجس ) سواء كانت إزالته بفعل فاعل كغسل المتنجس ، أو بنفسه كزوال تغير الماء الكثير وانقلاب الخمرة خلا ( أو ارتفاع حكم ذلك ) أي الحدث وما في معناه والنجس ، إما بالتراب كالتيمم عن حدث أو نجس ببدن ، أو عن غسل ميت أو عن وضوء أو غسل مسنون وإما بالأحجار نحوها في الخارج من سبيل على ما يأتي تفصيله وأو في كلامه للتنويع وهذا الحد أجود ما قيل في الطهارة وقد عرفت بحدود كثيرة وكلها منتقدة ، . 

وما حذفه من عبارة التنقيح والمنتهى ليس من الحد بل من المحدود ، كما نبه عليه في حاشيته على التنقيح ، وقوله أو ارتفاع حكم ذلك أولى من قولهما : أو ارتفاع حكمهما : لما قدمته في تفسيره ، وحيث أطلق لفظ الطهارة في كلام الشارع ، إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي ، حيث لا صارف ، وكذا كل ماله موضوع شرعي ولغوي كالصلاة فكتاب الطهارة هو الجامع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به ، وما يتطهر له ، وما يجب أن يتطهر منه إلى غير ذلك . 


التحليل الموضوعي
كتاب الطهارة 

بدأ بذلك اقتداء بالأئمة ، كالشافعي ; لأن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة ، والطهارة شرطها ، والشرط مقدم على المشروط وهي تكون بالماء والتراب [ ص: 23 ] والماء هو الأصل وبدأ بربع العبادات اهتماما بالأمور الدينية وتقديما لها على الأمور الدنيوية ، وقدموا المعاملات على النكاح وما يتعلق به لأن سبب المعاملات - وهو الأكل والشرب ونحوهما - ضروري يستوي فيه الكبير والصغير وشهوته مقدمة على شهوة النكاح . 

وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات ; لأن وقوع ذلك في الغالب بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج والكتاب : مصدر بمعنى المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق ، يقال : كتب كتبا وكتابا وكتابة ، ومعناها : الجمع يقال : كتبت البغلة إذا جمعت : بين شفرتها بحلقة أو سير . 

قال سالم بن دارة 
: لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك واكتبها بأسيار
أي واجمع بين شفريها ومنه الكتيبة وهي الجيش . 

والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف وأما الكثبة بالمثلثة فالرمل المجتمع واعترض القول بأن الكتاب مشتق من الكتب بأن المصدر لا يشتق من مثله وجوابه : أن المصدر في نحو ذلك وأريد به اسم المفعول كما تقدم ، فكأنه قيل المكتوب للطهارة أو المكتوب للصلاة ونحوها ، أو أن المراد به الاشتقاق الأكبر ، وهو اشتقاق الشيء لما يناسبه مطلقا ، كالبيع مشتق من الباع أي مأخوذ منه وإن المصدر المزيد مشتق من المصدر المجرد كما نص عليه بعضهم . 

وكتاب الطهارة : خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا كتاب الطهارة ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو مفعول لفعل محذوف ، وكذا تقدر في نظائره الآتية ( وهي ) أي الطهارة لغة النظافة والنزاهة عن الأقذار حسية كانت أو معنوية ، ومنه ما في الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا دخل على مريض قال لا بأس ، طهور إن شاء الله } أي مطهر من الذنوب ، والطهارة مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما وهو فعل لازم لا يتعدى إلا بالتضعيف فيقال طهرت الثوب ، ومصدر [ ص: 24 ] طهر بفتح الهاء الطهر ، كحكم حكما . 

وشرعا : ( ارتفاع الحدث ) أكبر كان أو أصغر أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها باستعمال الماء في جميع البدن أو في الأعضاء الأربعة على وجه مخصوص وعبر بالارتفاع ليطابق بين المفسر والمفسر ، ولم يعبر بالرفع - كما عبر به جمع ; لأنه تعريف للتطهير لا الطهارة ، ولكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه وسمي الوضوء والغسل طهارة لكونه ينقي الذنوب والآثام كما في الإخبار ( وما في معناه ) أي معنى ارتفاع الحدث كالحاصل بغسل الميت ; لأنه تعبدي لا عن حدث والحاصل بغسل يدي القائم من نوم الليل والوضوء والغسل المستحبين والغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك . 

( وزوال النجس ) سواء كانت إزالته بفعل فاعل كغسل المتنجس ، أو بنفسه كزوال تغير الماء الكثير وانقلاب الخمرة خلا ( أو ارتفاع حكم ذلك ) أي الحدث وما في معناه والنجس ، إما بالتراب كالتيمم عن حدث أو نجس ببدن ، أو عن غسل ميت أو عن وضوء أو غسل مسنون وإما بالأحجار نحوها في الخارج من سبيل على ما يأتي تفصيله وأو في كلامه للتنويع وهذا الحد أجود ما قيل في الطهارة وقد عرفت بحدود كثيرة وكلها منتقدة ، . 

وما حذفه من عبارة التنقيح والمنتهى ليس من الحد بل من المحدود ، كما نبه عليه في حاشيته على التنقيح ، وقوله أو ارتفاع حكم ذلك أولى من قولهما : أو ارتفاع حكمهما : لما قدمته في تفسيره ، وحيث أطلق لفظ الطهارة في كلام الشارع ، إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي ، حيث لا صارف ، وكذا كل ماله موضوع شرعي ولغوي كالصلاة فكتاب الطهارة هو الجامع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به ، وما يتطهر له ، وما يجب أن يتطهر منه إلى غير ذلك . 

فروع الفقه المالكي

مواهب الجليل في شرح مختصر خليل



مسألة: الجزء الأول التحليل الموضوعي
ص ( باب يرفع الحدث وحكم الخبث بالمطلق وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد )

ش : الباب في اللغة المدخل وفي اصطلاح العلماء اسم لطائفة من المسائل مشتركة في حكم وقد يعبر عنه بالكتاب أو بالفصل وقد يجمع بين الثلاثة فيقدم الكتاب ثم الباب فيزاد في تعريف الكتاب ذات أبواب وفي تعريف الباب ذات فصول أو يجمع بين اثنين منها بحسب الاصطلاح والكتاب يفصل بالأبواب أو بالفصول والباب بالفصول ولم يستعملوا تفصيل الباب بالكتب والفصل بالأبواب والكتاب في اللغة المكتوب كالرهن بمعنى المرهون قال أبو حيان : ولا يصح أن يكون مأخوذا من الكتب لأن المصدر لا يشتق من المصدر ، .

والفصل في اللغة القطع وهو خبر مبتدأ محذوف أي هذا باب كذا والمصنف - رحمه الله - يجعل الأبواب مكان الكتب كما في المدونة وغيرها ويحذف في التراجم التي تضاف إليها الأبواب اختصارا واكتفاء بفهمها من المسائل المذكورة في الباب ، وحكمة تفصيل المصنفات بالكتب والأبواب والفصول تنشيط النفس وبعثها على الحفظ والتحصيل بما يحصل لها من السرور بالختم والابتداء ومن ثم كان القرآن العظيم سورا والله أعلم . وفي ذلك أيضا تسهيل للمراجعة والكشف عن المسائل وكذا فصل صاحب المدونة وغيره من المتقدمين ما كثرت مسائله وتوسطت إلى كتابين وما طالت إلى ثلاثة كتب والترجمة المضاف إليها الباب هنا الطهارة وهي بالفتح لغة النزاهة والنظافة من الأدناس والأوساخ .

وتستعمل مجازا في التنزيه عن العيوب وتطلق في الشرع على معنيين : أحدهما الصفة الحكمية القائمة بالأعيان التي توجب لموصوفها استباحة الصلاة به أو فيه أوله كما يقال هذا الشيء طاهر وتلك الصفة الحكمية التي هي الطهارة الشرعية هي كون الشيء تباح ملابسته في الصلاة والغذاء ، والمعنى الثاني رفع الحدث وإزالة النجاسة كما في قولهم : الطهارة واجبة وفي كلام القرافي أن المعنى الأول حقيقة والثاني مجاز فذلك عرفها ابن عرفة بقوله صفة حكمية توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة به أو فيه أوله فالأوليان من خبث والأخيرة من حدث انتهى ، ويقابلها بهذا المعنى النجاسة ولذلك عرفها ابن عرفة : بأنها صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه انتهى ، فتلك الصفة الحكمية التي هي النجاسة شرعا هي كون الشيء تمنع ملابسته في الصلاة والغذاء .

فإذا أطلقنا على المعفو عنه من النجاسات أنه نجس فذلك مجاز شرعي تغليبا لحكم جنسها عليها قاله في الذخيرة ثم اعترض ابن عرفة على من عرف الطهارة بالمعنى الثاني فقال : وقول المازري وغيره : الطهارة إزالة النجس [ ص: 44 ] أو رفع مانع الصلاة بالماء أو في معناه إنما يتناول التطهير والطهارة غيره لثبوتها دونه فيما لم يتنجس وفي المطهر بعد الإزالة ، .

( قلت ) : قد يقال إن تعريف المازري وغيره الطهارة بحسب المعنى الثاني أولى لأن المراد تعريف الطهارة الواجبة المكلف بها والمكلف به إنما هو رفع الحدث وإزالة النجاسة لا الصفة الحكمية وفي قول القرافي أنه مجاز نظر .

بل الظاهر أنه حقيقة أيضا فلفظ الطهارة مشترك في الشرع بين المعنيين فالأحسن التعرض لبيان كل منهما فإن اقتصر على أحدهما فالاقتصار على المعنى الثاني أولى لأنه هو الواجب المكلف به والله أعلم . ومعنى قوله حكمية أنها يحكم بها ويقدر قيامها بمحلها وليست معنى وجوديا قائما بمحله كالعلم للعالم وقوله به أي بملابسته فيشمل الثوب وبدن المصلي والماء وكل ما يجوز أن يلابسه المصلي ولا تبطل صلاته بملابسته إياه فاندفع ما أورد عليه من أنه لا يشمل طهارة الماء المضاف ، وقوله فيه يريد به المكان ، وقوله له يريد به المصلي وهو شامل بظاهره لطهارة المصلي من الحدث والخبث لكن قوله بعد هذا والأخيرة من حدث يخصه به .

وكذا قوله في حد النجاسة توجب له منع الصلاة به أو فيه ولم يقل أوله وفيه نظر لأنه كما يمنع الحدث الصلاة فكذلك الخبث وإدخال البدن في قوله به بعيد والله أعلم . والطهورية صفة حكمية توجب لموصوفها كونه بحيث يصير المزال به نجاسته طاهرا ، وأما الطهارة بالضم فهي فضلة ما يتطهر به وقدم المصنف كغيره العبادات على غيرها لعموم الحاجة إليها وبدأ بالصلاة لأنها أوكد العبادات وأفضلها بعد الإيمان ولتقدمها على بقية القواعد في حديث { بني الإسلام على خمس } ما عدا الشهادتين ولم يتكلم المصنف وكثير من الفقهاء على الشهادتين لأنهما أفردتا بعلم مستقل وقدم الكلام على الطهارة لأنها أوكد شروط الصلاة التي يطلب المكلف بتحصيلها لسقوط الصلاة مع فقد ما يتطهر به من ماء وصعيد على المشهور .

وبدأ بالكلام على الماء لأن الطهارة المائية هي الأصل ولا تحصل إلا بالماء المطلق فاحتاج إلى تمييزه من غيره ، والحدث بفتحتين وهو في اللغة وجود الشيء بعد أن لم يكن ويطلق في الشرع على أربعة معان : على الخارج المعتاد كما سيأتي إن شاء الله في فصل نواقض الوضوء وعلى نفس الخروج كما في قولهم آداب الحدث ، وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية كما في قولهم يمنع الحدث كذا وكذا ، وعلى المنع المرتب على الثلاثة كما في قولهم هنا يرفع الحدث أي المنع المترتب على الأعضاء الوضوء أو الغسل ويصح أن يراد هنا بالحدث المعنى الثابت الذي هو الوصف لأنهما متلازمان فإذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر ولا يقال : لا نسلم أنهما متلازمان فإن التيمم يرفع المنع لأنه تستباح به الصلاة وغيرها ولا يرفع الوصف القائم بالأعضاء لأن المشهور أنه لا يرفع الحدث فلا تلازم بينهما لأنا نقول : التيمم لا يرفع المنع رفعا مطلقا وإنما هو رخصة فيرفع المنع عما يستباح به على وجه مخصوص وهو عدم الماء فلا يستباح به إلا فريضة واحدة في حال عدم الماء ولو وجد الماء قبل فعل ذلك المستباح عاد المنع ولم يستبح به شيئا فالتيمم رخصة لاستباحة بعض الأشياء التي يمنعها الحدث على وجه مخصوص فالوصف والمنع باقيان .

وقد أشار ابن عرفة إلى هذا عند الكلام على النية في الوضوء فتأمله والله أعلم .

وأنكر ابن دقيق العيد المعنى الثالث من معاني الحدث وقال : إنه ذكره بعض الفقهاء وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على ثبوته فإنه منفي بالحقيقة والأصل موافقة الشرع لها ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك وأقرب ما يذكر فيه أن الماء المستعمل انتقل إليه المانع كما يقال ثم رد ذلك .

وقال المسألة مختلف فيها فقد قال جماعة بطهورية الماء المستعمل ولو قيل بعدم طهوريته أو بنجاسته لم يلزم منه انتقال مانع إليه انتهى من [ ص: 45 ] شرح العمدة وأما المعنيان الأولان فلا تصح إرادتهما هذا إذا لم يمكن رفعهما وتجويز ذلك على حذف مضاف أي حكم الحدث كما أشار إلى ذلك البساطي ففيه تعسف وتكلف لا يحتاج إليه .

والخبث بفتحتين أيضا وهو النجاسة وإنما قال : حكم الخبث لأن عين النجاسة تزول بغير الماء وأما حكمها وهو كون الشيء نجسا في الشرع لا تباح ملابسته في الصلاة والغذاء فلا يرتفع إلا بالماء المطلق وأما موضع الاستجمار والسيف الصقيل ونحوه إذا مسح والخف والنعل إذا دلكا من أبوال الدواب وأرواثها فالمحل محكوم له بالنجاسة .

وإنما عفي عنه للضرورة خلافا لما قد تعطيه عبارة البساطي وقد عد ابن الحاجب وغيره موضع الاستجمار وفيما تقدم ذكره في المعفوات ولا ينافي هذا ما تقدم عن القرافي أعني قوله أن إطلاق النجاسة على المعفو مجاز لأن ذلك أي إطلاق اسم النجاسة على المعفوات بالنظر إلى أصل معنى النجاسة الحقيقي في الشرع وليس فيه ما ينفي إطلاق النجاسة عليها مطلقا شرعا فتأملته والله أعلم .

ولم يقل المصنف رافع الحدث وحكم الخبث لأن نسبة الرفع للماء مجاز وتصدير الباب بهذه الجملة وسياقها مساق الحد لما يرفع به الحدث وحكم الخبث يفيد الحصر وإن لم يكن في الكلام أداة حصر فكأنه قال : إنما يرفع الحدث .

وحكم الخبث بالماء المطلق فأما رفع الحدث فمتفق عليه بل حكى الغزالي - رحمه الله - الإجماع على ذلك ولكنه نوزع في حكاية الإجماع وأما حكم الخبث فما ذكره هو المشهور في المذهب كما سيأتي بيانه في الكلام على إزالة النجاسة

فروع الفقه الشافعي
تحفة المحتاج في شرح المنهاج
أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي


( كتاب أحكام الطهارة ) 

المشتملة على وسائل أربعة ومقاصد كذلك [ ص: 62 ] وأفردها بتراجم دون تلك إلا النجاسة لطول مباحثها فرقا بين المقصود بالذات وغيره ، والكتاب كالكتب والكتابة لغة الضم والجمع ، واصطلاحا اسم لجملة مختصة من العلم فهو إما باق على مصدريته أو بمعنى اسم المفعول أو الفاعل والإضافة إما بمعنى اللام أو بيانية ، ويعبر عن تلك الجملة بالباب وبالفضل فإن جمعت كان الأول للمشتملة على الأخيرين والثاني للمشتملة على الثالث وهو المشتملة على مسائل غالبا في الكل ، والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح هائه أفصح من ضمها يطهر بضمها فيهما ، وأما طهر بمعنى اغتسل فمثلث الهاء لغة الخلوص من الدنس ولو معنويا [ ص: 63 ] كالعيب ، وشرعا لها وضعان حقيقي وهو زوال المنع الناشئ عن الحدث والخبث ومجازي من إطلاق اسم المسبب على السبب وهو الفعل الموضوع لإفادة ذلك أو بعض آثاره كالتيمم ، وبهذا الوضع عرفها المصنف بأنها رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما كالتيمم وطهر السلس أو على صورتهما كالغسلة الثانية والطهر المندوب وفيه أعني التعبير بالمعنى والصورة إشارة لقول ابن الرفعة إنها في هذين لا من مجاز التشبيه إلا أن يجاب عنه بمنعه وإثبات أنها فيها حقيقة عرفية كما صرحوا به في التيمم ، وبدءوا بالطهارة لخبر الحاكم وغيره { مفتاح الصلاة الطهور } ، ثم بما بعدها على الوضع البديع الآتي لأمرين : الأول الخبر المشهور { بني الإسلام على خمس } وأسقطوا الكلام على الشهادتين ؛ لأنه أفرد بعلم وآثروا رواية تقديم الصوم على الحج ؛ لأنه فوري ومتكرر ، وأفرد من يلزمه أكثر ، والثاني أن الغرض من البعثة انتظام أمر المعاش والمعاد [ ص: 64 ] بكمال القوى النطقية ومكملها العبادات ، والشهوية ومكملها غذاء ونحوه المعاملات ، ووطء ونحوه المناكحات ، والغضبية ومكملها التحرز عن الجنايات ، وقدمت الأولى لشرفها ، ثم الثانية لشدة الحاجة إليها ، ثم الثالثة ؛ لأنها دونها في الحاجة ، ثم الرابعة لقلة وقوعها بالنسبة لما قبلها ، وإنما ختمها الأكثر بالعتق تفاؤلا .



الحاشية رقم: 1
حاشية ابن قاسم 

( كتاب الطهارة ) 

( قوله على وسائل أربعة ) لعل مراده بالوسائل المقدمات التي عبر بها في شرح الإرشاد ، وقال وهي أربعة المياه والنجاسات والاجتهاد والأواني انتهى وبالمقاصد الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة وحينئذ فهلا عد من الوسائل والمقدمات التراب كالمياه والأحداث كالنجاسات لكن يشكل على هذا قوله وأفردها بتراجم [ ص: 62 ] بالنسبة لإزالة النجاسات إلا أن يريد بيان النجاسة ذاتا وإزالة فيكون قد ترجم للإزالة ( قوله فهو إما باق على مصدريته ) إن كان المراد المعنى الاصطلاحي ففيه أنه لا يتأتى فيه المصدرية لأن الجملة من العلم ليست معنى مصدريا فما ذكره إنما يناسب المعنى اللغوي ( قوله أو بمعنى اسم المفعول ) قال في شرح العباب أي المكتوب وقوله أو الفاعل قال في شرح العباب أي الجامع للطهارة انتهى ( قوله والإضافة إلخ ) عبارة شرح العباب والإضافة على غير الثاني بمعنى اللام وعليه بيانية انتهى يتأمل هل وجد شرط البيانية وفي تخصيص معنى اللام بغير الثاني نظر ( قوله أو بيانية ) إن أريد بالإضافة إضافة كتاب إلى أحكام الذي قدره توقفت البيانية على اتحاد المراد بكتاب وأحكام بأن يراد بكتاب المسائل بمعنى الأحكام وبالأحكام المسائل ، وإلا لم تصح البيانية وإن أريد الإضافة إلى الطهارة توقفت البيانية على أن يراد بالطهارة ما أريد بكتاب لكن ذلك خلاف تفسيرها الآتي ، وإلا لم تصح البيانية ولا يخفى أن كونها بمعنى اللام مبني على عدم اتحاد معنى المضاف والمضاف إليه ، هذا كله مع قطع النظر عما قيل إن شرط البيانية أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص من وجه [ ص: 63 ] وإلا فلا بد من تقدير آخر انتهى ( قوله وهو زوال المنع ) لا يشمل نحو طهارة الخمر لقوله عن الحدث إلخ ( تنبيه ) 

عدم شمول بعض التعاريف المذكورة في هذا المقام لنحو طهارة الخمرة بالتخلل والجلد بالاندباغ لا يقتضي تخصيص الترجمة بغير ذلك حتى يكون زائدا على ما في الترجمة لجواز أن يكون ذلك التعريف لبعض معاني الطهارة وأنواعها مع عموم ما في الترجمة ( قوله ومجازي إلخ ) قد يمنع ويدعي أنه حقيقة عرفية ( قوله وإثبات أنها فيهما حقيقة عرفية ) انظر هذا مع الجزم في أصل هذا المعنى بأنه مجازي ( قوله [ ص: 64 ] النطقية ) أي الإدراكية 




الحمد لله الذي جعل لكل أمة شرعة ومنهاجا وخص هذه الأمة بأوضحهما أحكاما وحجاجا ، وهداهم إلى ما آثرهم به على من سواهم من تمهيد الأصول والفروع وتحرير المتون والشروح لتستنتج منها العويصات استنتاجا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي ميزه الله على خواص رسله معجزة وخصائص ومعراجا صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الذين فطموا أعداء الدين القويم عن أن يلحقوا بشيء من مقاصده أو مباديه شبهة أو اعوجاجا صلاة وسلاما دائمين بدوام جوده الذي لا يزال هطالا ثجاجا ( وبعد ) فإنه طالما يخطر لي أن أتبرك بخدمة شيء من كتب الفقه للقطب الرباني [ ص: 3 ] والعالم الصمداني ولي الله بلا نزاع ومحرر المذهب بلا دفاع أبي زكريا يحيى النواوي قدس الله روحه ونور ضريحه إلى أن عزمت ثاني عشر محرم سنة ثمان وخمسين وتسعمائة على خدمة منهاجه الواضح ظاهره الكثيرة كنوزه وذخائره ملخصا معتمدا شروحه المتداولة ومجيبا عما فيها من الإيرادات المتطاولة طاويا بسط الكلام على الدليل وما فيه من الخلاف والتعليل وعلى عزو المقالات والأبحاث لأربابها لتعطل الهمم عن التحقيقات فكيف بإطنابها ومشيرا إلى المقابل برد قياسه أو علته وإلى ما تميز به أصله لقلته فشرعت في ذلك مستعينا بالله ومتوكلا عليه ومادا أكف الضراعة والافتقار إليه أن يسبغ علي واسع جوده وكرمه وأن لا يعاملني فيه بما قصرت في خدمه لا سيما في أمنه وحرمه إنه الجواد الكريم الرءوف الرحيم ( وسميته تحفة المحتاج بشرح المنهاج ) 













الحاشية رقم: 2
حاشية الشرواني 

[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ( قوله لكل أمة ) أي جماعة فإن كل أمة جماعة لنبيهم ، والنبي إمامهم ( قوله شرعة ومنهاجا ) الأول الطريق إلى الماء والثاني مطلق الطريق الواضح شبه به الدين ؛ لأنه سبب الحياة الأبدية وموصل إليها وفي كل منهما براعة الاستهلال ( قوله وخص هذه الأمة ) أي أمة الإجابة ( قوله بأوضحها ) الباء داخلة على المقصور فهي على حقيقتها ، وإنما التأويل في مادة الخصوص بحملها على معنى التمييز أو بتضمينه لها ، والضمير للشرائع ( قوله أحكاما وحجاجا ) تمييز من النسبة ، والمراد بالأول النسب التامة المأخوذة من الشرائع مطلقا أو المتعلقة بخصوص كيفية العمل وبالثاني أدلتها مطلقا أو خصوص أدلة الفقه ( قوله وهداهم ) أي أرشدهم وأوصلهم ( قوله من تمهيد الأصول ) أي أصول الدين والفقه الإجمالية والتفصيلية أو المراد خصوص أصول الفقه أي أدلته التفصيلية ، ويرجحه عطف الفروع عليها المراد بها الفقه ( قوله لتستنتج منها ) أي لتخرج من الأربعة المذكورة بالنظر والفكر ( قوله العويصات ) جمع عويص على وزن أمير أي المسائل الصعبة ( قوله معجزة إلخ ) لعله منصوب بنزع الخافض أي الباء ؛ لأنه وإن كان سماعيا لكنه ملحق بالقياسي في كلام المؤلفين ، وسهله رعاية القافية ( قوله فطمعوا ) أي منعوا ودفعوا ( قوله القويم ) أي المستقيم ( قوله من مقاصده أو مباديه ) لعل المراد بمقاصد الدين مسائل علمي التوحيد والفقه وبمباديه أدلتهما ( قوله أو اعوجاجا ) إنما أخره عن الشبهة للسجع ، وإلا فحق الترقي التقديم ( قوله هطالا ثجاجا ) كشداد يقال هطل المطر إذا نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر ، وثج الماء إذا سال كذا في القاموس والمراد بهما هنا المبالغة في الكم والكيف ( قوله طال ما ) ما هنا زائدة كافة عن عمل الرفع فحقها أن يكتب متصلا بالفعل كما في نسخة الطبع ( قوله القطب ) أي المشبع علما وعملا ( قوله الرباني ) أي المتأله [ ص: 3 ] والعارف بالله تعالى ا هـ مختار وقال شيخ الإسلام في شرح الرسالة القشيرية أي المنسوب إلى الرب أي المالك ا هـ فقول ابن حجر في شرح الأربعين هو من أفيضت عليه المعارف الإلهية فعرف ربه وربى الناس بعلمه ا هـ مبين بمراد بالنسبة إلى الرب ( قوله والعالم الصمداني ) أي المنسوب إلى الصمد أي المقصود في الحوائج قاله شيخ الإسلام في الكتاب المذكور ، ولعل المراد بالنسبة هنا أنه يعتمد في أموره كلها على الله بحيث لا يلتجئ إلى غيره تعالى في أمر ما ع ش . 

( قوله النواوي ) نسبة إلى نوى قرية من قرى الشام والألف مزيدة في النسبة ( قوله ثاني عشر محرم سنة ثمان وخمسين إلخ ) ونقل عنه أنه فرغ من تسويد هذا الشرح عشية خميس ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ا هـ وقال الخطيب الشربيني إنه شرع في شرح المنهاج عام تسعمائة وتسعة وخمسين ا هـ ونقل عنه أنه فرغ منه سابع عشر جمادى الآخرة عام ثلاثة وستين وتسعمائة ا هـ ، وقال الجمال الرملي إنه شرع في شرح المنهاج في شهر ذي القعدة سنة ثلاث وستين وتسعمائة ا هـ ونقل عنه أنه فرغ منه ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة ا هـ وعلم من ذلك أن تأليف النهاية متأخر عن تأليف التحفة والمغني كما نص عليه ع ش وأن تأليف المغني متأخر عن تأليف التحفة ( قوله ملخصا ) حال من فاعل عزمت أي مريد للتلخيص والتنقية ( قوله وما فيه ) أي في الدليل ( قوله والتعليل ) أي الاعتراض عطف على الخلاف ( قوله وعلى عزو المقالات إلخ ) عطف على قوله على الدليل ( قوله والأبحاث ) يظهر أنه عطف تفسير ( قوله لتعطل الهمم ) أي ضعفها علة للطي ( قوله عن التحقيقات ) أي عن تحصيل أدلة الأحكام . 

( قوله باطنا بها ) أي الأدلة ( قوله أو مشيرا ) عطف على طاويا أو ملخصا ( قوله إلى المقابل ) أي مقابل المعتمد ( قوله أو علته ) أي القياس ، ويحتمل أن المراد دليل المقابل مطلقا وهو أفيد لكن كان ينبغي عليه العطف بالواو ، ولأن عطف العام مخصوص به كما قرر في محله ( قوله أصله ) أي القياس والإضافة بمعنى في ( قوله لقلته ) أي ما تميز به الأصل ( قوله في ذلك ) أي في خدمة المنهاج وشرحه على الوجه المذكور ، ( قوله والافتقار ) عطف تفسير ( قوله إليه ) متعلق بقوله ماذا ( قوله فيه ) أي في تأليف ذلك الشرح ( قوله بما قصرت في خدمه ) جمع خدمة ككسرة وكسر والضمير للمنهاج ، ويحتمل أنه لله تعالى أي بمكافأة التقصير الصادر مني في خدم المنهاج ( قوله أنه الجواد إلخ ) علة للاستعانة وما عطف عليها ( قوله وسميته ) أي الشرح المستحضر في الذهن ، إذ ظاهر صنيعه أن الخطبة سابقة على التأليف ( قوله بشرح المنهاج ) متعلق بالمحتاج في الأصل ، وأما بعد العلمية فالجار والمجرور جزء من العلم فلا يتعلق بشيء

التحليل الموضوعي
( كتاب أحكام الطهارة ) 

المشتملة على وسائل أربعة ومقاصد كذلك [ ص: 62 ] وأفردها بتراجم دون تلك إلا النجاسة لطول مباحثها فرقا بين المقصود بالذات وغيره ، والكتاب كالكتب والكتابة لغة الضم والجمع ، واصطلاحا اسم لجملة مختصة من العلم فهو إما باق على مصدريته أو بمعنى اسم المفعول أو الفاعل والإضافة إما بمعنى اللام أو بيانية ، ويعبر عن تلك الجملة بالباب وبالفضل فإن جمعت كان الأول للمشتملة على الأخيرين والثاني للمشتملة على الثالث وهو المشتملة على مسائل غالبا في الكل ، والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح هائه أفصح من ضمها يطهر بضمها فيهما ، وأما طهر بمعنى اغتسل فمثلث الهاء لغة الخلوص من الدنس ولو معنويا [ ص: 63 ] كالعيب ، وشرعا لها وضعان حقيقي وهو زوال المنع الناشئ عن الحدث والخبث ومجازي من إطلاق اسم المسبب على السبب وهو الفعل الموضوع لإفادة ذلك أو بعض آثاره كالتيمم ، وبهذا الوضع عرفها المصنف بأنها رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما كالتيمم وطهر السلس أو على صورتهما كالغسلة الثانية والطهر المندوب وفيه أعني التعبير بالمعنى والصورة إشارة لقول ابن الرفعة إنها في هذين لا من مجاز التشبيه إلا أن يجاب عنه بمنعه وإثبات أنها فيها حقيقة عرفية كما صرحوا به في التيمم ، وبدءوا بالطهارة لخبر الحاكم وغيره { مفتاح الصلاة الطهور } ، ثم بما بعدها على الوضع البديع الآتي لأمرين : الأول الخبر المشهور { بني الإسلام على خمس } وأسقطوا الكلام على الشهادتين ؛ لأنه أفرد بعلم وآثروا رواية تقديم الصوم على الحج ؛ لأنه فوري ومتكرر ، وأفرد من يلزمه أكثر ، والثاني أن الغرض من البعثة انتظام أمر المعاش والمعاد [ ص: 64 ] بكمال القوى النطقية ومكملها العبادات ، والشهوية ومكملها غذاء ونحوه المعاملات ، ووطء ونحوه المناكحات ، والغضبية ومكملها التحرز عن الجنايات ، وقدمت الأولى لشرفها ، ثم الثانية لشدة الحاجة إليها ، ثم الثالثة ؛ لأنها دونها في الحاجة ، ثم الرابعة لقلة وقوعها بالنسبة لما قبلها ، وإنما ختمها الأكثر بالعتق تفاؤلا . 









الحاشية رقم: 1
حاشية ابن قاسم 

( كتاب الطهارة ) 

( قوله على وسائل أربعة ) لعل مراده بالوسائل المقدمات التي عبر بها في شرح الإرشاد ، وقال وهي أربعة المياه والنجاسات والاجتهاد والأواني انتهى وبالمقاصد الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة وحينئذ فهلا عد من الوسائل والمقدمات التراب كالمياه والأحداث كالنجاسات لكن يشكل على هذا قوله وأفردها بتراجم [ ص: 62 ] بالنسبة لإزالة النجاسات إلا أن يريد بيان النجاسة ذاتا وإزالة فيكون قد ترجم للإزالة ( قوله فهو إما باق على مصدريته ) إن كان المراد المعنى الاصطلاحي ففيه أنه لا يتأتى فيه المصدرية لأن الجملة من العلم ليست معنى مصدريا فما ذكره إنما يناسب المعنى اللغوي ( قوله أو بمعنى اسم المفعول ) قال في شرح العباب أي المكتوب وقوله أو الفاعل قال في شرح العباب أي الجامع للطهارة انتهى ( قوله والإضافة إلخ ) عبارة شرح العباب والإضافة على غير الثاني بمعنى اللام وعليه بيانية انتهى يتأمل هل وجد شرط البيانية وفي تخصيص معنى اللام بغير الثاني نظر ( قوله أو بيانية ) إن أريد بالإضافة إضافة كتاب إلى أحكام الذي قدره توقفت البيانية على اتحاد المراد بكتاب وأحكام بأن يراد بكتاب المسائل بمعنى الأحكام وبالأحكام المسائل ، وإلا لم تصح البيانية وإن أريد الإضافة إلى الطهارة توقفت البيانية على أن يراد بالطهارة ما أريد بكتاب لكن ذلك خلاف تفسيرها الآتي ، وإلا لم تصح البيانية ولا يخفى أن كونها بمعنى اللام مبني على عدم اتحاد معنى المضاف والمضاف إليه ، هذا كله مع قطع النظر عما قيل إن شرط البيانية أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص من وجه [ ص: 63 ] وإلا فلا بد من تقدير آخر انتهى ( قوله وهو زوال المنع ) لا يشمل نحو طهارة الخمر لقوله عن الحدث إلخ ( تنبيه ) 

عدم شمول بعض التعاريف المذكورة في هذا المقام لنحو طهارة الخمرة بالتخلل والجلد بالاندباغ لا يقتضي تخصيص الترجمة بغير ذلك حتى يكون زائدا على ما في الترجمة لجواز أن يكون ذلك التعريف لبعض معاني الطهارة وأنواعها مع عموم ما في الترجمة ( قوله ومجازي إلخ ) قد يمنع ويدعي أنه حقيقة عرفية ( قوله وإثبات أنها فيهما حقيقة عرفية ) انظر هذا مع الجزم في أصل هذا المعنى بأنه مجازي ( قوله [ ص: 64 ] النطقية ) أي الإدراكية .

التحليل الموضوعي
( كتاب أحكام الطهارة ) 

المشتملة على وسائل أربعة ومقاصد كذلك [ ص: 62 ] وأفردها بتراجم دون تلك إلا النجاسة لطول مباحثها فرقا بين المقصود بالذات وغيره ، والكتاب كالكتب والكتابة لغة الضم والجمع ، واصطلاحا اسم لجملة مختصة من العلم فهو إما باق على مصدريته أو بمعنى اسم المفعول أو الفاعل والإضافة إما بمعنى اللام أو بيانية ، ويعبر عن تلك الجملة بالباب وبالفضل فإن جمعت كان الأول للمشتملة على الأخيرين والثاني للمشتملة على الثالث وهو المشتملة على مسائل غالبا في الكل ، والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح هائه أفصح من ضمها يطهر بضمها فيهما ، وأما طهر بمعنى اغتسل فمثلث الهاء لغة الخلوص من الدنس ولو معنويا [ ص: 63 ] كالعيب ، وشرعا لها وضعان حقيقي وهو زوال المنع الناشئ عن الحدث والخبث ومجازي من إطلاق اسم المسبب على السبب وهو الفعل الموضوع لإفادة ذلك أو بعض آثاره كالتيمم ، وبهذا الوضع عرفها المصنف بأنها رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما كالتيمم وطهر السلس أو على صورتهما كالغسلة الثانية والطهر المندوب وفيه أعني التعبير بالمعنى والصورة إشارة لقول ابن الرفعة إنها في هذين لا من مجاز التشبيه إلا أن يجاب عنه بمنعه وإثبات أنها فيها حقيقة عرفية كما صرحوا به في التيمم ، وبدءوا بالطهارة لخبر الحاكم وغيره { مفتاح الصلاة الطهور } ، ثم بما بعدها على الوضع البديع الآتي لأمرين : الأول الخبر المشهور { بني الإسلام على خمس } وأسقطوا الكلام على الشهادتين ؛ لأنه أفرد بعلم وآثروا رواية تقديم الصوم على الحج ؛ لأنه فوري ومتكرر ، وأفرد من يلزمه أكثر ، والثاني أن الغرض من البعثة انتظام أمر المعاش والمعاد [ ص: 64 ] بكمال القوى النطقية ومكملها العبادات ، والشهوية ومكملها غذاء ونحوه المعاملات ، ووطء ونحوه المناكحات ، والغضبية ومكملها التحرز عن الجنايات ، وقدمت الأولى لشرفها ، ثم الثانية لشدة الحاجة إليها ، ثم الثالثة ؛ لأنها دونها في الحاجة ، ثم الرابعة لقلة وقوعها بالنسبة لما قبلها ، وإنما ختمها الأكثر بالعتق تفاؤلا . 









الحاشية رقم: 2
حاشية الشرواني 

( كتاب الطهارة ) 

( قوله على وسائل أربعة ) لعل مراده بالوسائل الأربعة هنا أخذا من كلامه في شرح الإرشاد المياه والنجاسات والاجتهاد والأواني ، وبالمقاصد الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة ، وحينئذ فهلا عد من الوسائل التراب كالمياه والأحداث كالنجاسات لكن يشكل على هذا قوله وأفردها بتراجم بالنسبة لإزالة النجاسة إلا أن يراد بباب النجاسة بيان النجاسة ذاتا وإزالة فيكون قد ترجم للإزالة انتهى سم . 

أقول قوله فهلا عد إلخ قد يقال لما كان التراب غير رافع بل هو مبيح لم يعده فيما هو رافع ، والطهارة لما لم تتوقف على الحدث دائما بل قد [ ص: 62 ] توجد بلا سبق حدث كالمولود فإنه ليس محدثا ، وإن كان في حكمه ومع ذلك يطهره وليه إذا أراد الطواف به لم يعدوا الحدث من الوسائل التي من شأنها أن لا تنفك ع ش ، والمشهور أن الوسائل الحقيقية الماء والتراب والحجر والدابغ بجيرمي ( قوله وأفردها ) أي المقاصد ( قوله بتراجم ) بكسر الجيم بجيرمي . 

( قوله لطول إلخ ) علة للاستثناء وقوله فرقا إلخ علة لما قبله ( قوله والكتاب كالكتب والكتابة ) فلكتب ثلاثة مصادر أحدها مجرد من الزيادة والثاني مزيد بحرف ، والثالث بحرفين والأخيران مشتقان من الأول ؛ لأن المصدر المزيد يشتق من المجرد كما صرح به السعد ومحل قولهم المصدر لا يشتق من المصدر إذا كانا مجردين أو مزيدين ( قوله الضم والجمع ) ومنه قولهم تكتبت بنو فلان إذا اجتمعوا ، وكتب إذا خط بالقلم لما فيه من اجتماع الكلمات والحروف ، وعطف الجمع من عطف الأعم ؛ لأن الضم جمع مع تلاصق ولا يشترط في الجمع التلاصق فبينهما عموم وخصوص مطلق ، وقيل من عطف المرادف على أنه لا يشترط في الضم التلاصق كالجمع شيخنا . 

( قوله واصطلاحا ) أي في اصطلاح الفقهاء وعرفهم ، وعبر عن مقابل اللغوي في الكتاب بقوله واصطلاحا وفي الطهارة بقوله وشرعا بناء على ما هو المعروف من أن الحقيقة الشرعية هي ما يتلقى معناها من الشارع وإن ما لم يتلق من الشارع يسمى اصطلاحا وإن كان في عبارات الفقهاء بأن اصطلحوا على استعماله في معنى ولم يتلقوا التسمية به من كلام الشارع نعم قد يعبرون عن اتفاق الفقهاء بقولهم شرعا ؛ لأنهم حملة الشرع ع ش وبجيرمي ( قوله لجملة إلخ ) أي لدال جملة على حذف المضاف ؛ لأن التحقيق أن التراجم أسماء للألفاظ المخصوصة باعتبار دلالتها على المعاني المخصوصة ع ش وشيخنا وبجيرمي ( قوله فهو إما باق إلخ ) يعني أن نقل كتاب من المعنى اللغوي إلى الاصطلاحي إما ابتداء بأن ينقل من مطلق الضم إلى الضم المخصوص أي ضم جملة مختصة من مسائل العلم أو بعد جعله بمعنى اسم المفعول أي المضموم أو بمعنى اسم الفاعل أي الجامع ، وبه يندفع ما في البصري وسم . 

( قوله إما بمعنى اللام ) أي على غير الثاني وقوله أو بيانية أي على الثاني كذا في شرح العباب يتأمل هل وجد شرط البيانية وفي تخصيص معنى اللام بغير الثاني نظر سم أقول المراد بالبيانية هنا إضافة الأعم إلى الأخص كيوم الأحد ولو قال للبيان لكان أولى إذ البيانية المعروفة في النحو يشترط فيها أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص من وجه كخاتم فضة ولا يخفى أن البيانية بالمعنى المتقدم تجري في الثالث أيضا ( قوله فإن جمعت ) أي هذه الألفاظ الثلاثة في تصنيف كالمنهاج ( قوله غالبا ) قد يقال حيث فرض الكلام في اجتماعها فلا حاجة لقيد غالبا فليتأمل بصري أقول ولا يلزم من اجتماع الثلاثة في مؤلف كالمنهاج أن يشتمل كل كتاب من كتبه وكل باب من أبوابه وكل فصل من فصوله على ما ذكر كما هو ظاهر ( قوله بالفتح إلخ ) 

وأما بالضم فاسم لبقية الماء ابن قاسم الغزي أي ما فضل من ماء طهارته في نحو الإبريق لا في نحو بئر ، ونقل البرماوي عن شيخه وعن الفشني أنها بالكسر اسم لما يضاف إلى الماء من نحو سدر شيخنا ( قوله لغة الخلوص إلخ ) عبارة النهاية والمغني وهي لغة إلخ ففي كلام الشارح تقدير عاطف ومبتدأ وإلا [ ص: 63 ] فيحتاج إلى جعل قوله مصدر إلخ حالا لا خبرا ( قوله كالعيب ) من الحقد والحسد وغيرهما شيخنا ( قوله زوال المنع إلخ ) كحرمة الصلاة ع ش عبارة الإقناع وأحسن ما قيل فيه أي تفسيرها شرعا أنه ارتفاع المنع المترتب على الحدث والنجس فيدخل فيه غسل الذمية والمجنونة لتحلا لحليلهما فإن الامتناع من الوطء قد زال ، وكذا يقال في غسل الميت فإنه أزال المنع من الصلاة ا هـ بحذف ( قوله والخبث ) الواو بمعنى أو ( قوله ومجازي ) أي باعتبار الأصل . 

ثم صار حقيقة عرفية بقرينة سابق كلامه ولاحقه ، فيوافق حينئذ ما في كلام غيره من أنه معنى حقيقي شرعي كالأول ، ويندفع اعتراض سم والبصري ( قوله وهو ) أي المجازي أو السبب ( قوله لإفادة ذلك ) أي الزوال ( قوله كالتيمم ) فإنه يفيد جواز الصلاة الذي هو من آثار ذلك نهاية ومعنى وأدخل بالكاف وضوء صاحب الضرورة لكونه يبيح إباحة مخصوصة بالنسبة لفرض ونوافل والاستنجاء بالحجر لكونه يبيح إباحة مخصوصة بالنسبة لصلاة فاعله ( قوله وبهذا الوضع ) أي المجازي ( قوله عرفها المصنف ) أي في مجموعة مدخلا فيها الأغسال المسنونة ونحوها معنى . 

( قوله بأنها رفع حدث إلخ ) قد يقال في صحة حمل التعريف على المعرف نظر سواء أريد بالوضوء مثلا المعنى المصدري أو الحاصل بالمصدر اللهم إلا أن يؤول الرفع بالرافع بصري عبارة ع ش عن سم على شرح البهجة نصها هذا التعريف صريح في أن الرفع والإزالة هما نفس نحو الوضوء والغسل وصب الماء على الثوب لكن قد يتوقف في أن الوضوء مثلا هو نفس الرفع بل الرفع يحصل به ، وليس نفسه فليتأمل ا هـ . 

( قوله أو ما في معناها إلخ ) قال ابن الرفعة التحقيق قول القاضي حسين : إنها رفع الحدث وإزالة النجس ؛ لأن الشرع يرد باستعمالها إلا فيهما وإطلاق حملة الشرع على الوضوء المجدد والأغسال المسنونة طهارة مجاز من مجاز التشبيه لشبههما بالرفع مع افتقارهما إلى النية فإطلاقهم على التيمم طهارة مجاز أيضا كما سموا التراب وضوءا انتهى ابن شهبة ا هـ بصري ويأتي في الشارح الجواب عنه ( قوله كالتيمم ) هذا في معنى رفع الحدث وقوله وطهر السلس هذا في معنى إزالة النجس وفي معناها أيضا الاستنجاء بالحجر كما نبه عليه شيخنا وطهارة المستحاضة كما في المغني والدباغ وانقلاب الخمر خلا كما في ع ش ( قوله كالغسلة الثانية في الوضوء إلخ ) عبارة شيخنا والذي على صورة رفع الحدث الأغسال المندوبة والوضوء المجدد والغسلة الثانية والثالثة في طهارة الحدث والذي على صورة إزالة النجس الغسلة الثانية والثالثة من غسلات النجاسة ا هـ . 

فقول الشارح والطهر المندوب شامل لغسلات النجاسة كما في المغني أيضا ( قوله في هذين ) أي ما في معناهما وما على صورتهما ( قوله من مجاز التشبيه ) أي فلم يرد المصنف أنهما يشاركهما في الحقيقة ومن أفراد الطهارة وشرعا وهذا جواب بالمنع عن الاعتراض الوارد على تعريف المصنف ( قوله إلا أن يجاب إلخ ) جواب عنه بالتسليم ( قوله بمنعه ) أي قول ابن الرفعة ( قوله أنها فيهما حقيقة إلخ ) تأمل ما فيه من المنافاة لما سبق من أنها في المعنى الثاني مجاز بصري وسم . 

وتقدم الجواب عنه ( قوله في التيمم ) أي مما في معناهما ( قوله لخبر الحاكم وغيره إلخ ) أي مع افتتاحه صلى الله عليه وسلم ذكر شرائع الإسلام بعد الشهادتين المبحوث عنهما في الكلام بالصلاة كما سيأتي ، ولكونها أعظم شروط الصلاة التي قدموها على غيرها ؛ لأنها أفضل عبادات البدن بعد الإيمان نهاية ( قوله الخبرين المشهورين { بني الإسلام على خمس } ) تتمته كما في النهاية { شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت } ا هـ . 

( قوله بعلم ) أي علم التوحيد ( قوله متكرر ) أي في كل عام نهاية ( قوله والثاني إلخ ) ولم يتعرضوا في هذه الحكمة للفرائض لعله لكونها علما مستقلا أو لجعلها من المعاملات والمناكحات والجنايات ع ش ( قوله انتظام أمر المعاش والمعاد ) يحتملان المصدر واسم الزمان [ ص: 64 ] ابن قاسم على البهجة أقول الأقرب الثاني ع ش ( قوله بكمال القوى النطقية إلخ ) المراد بها القوى الداركة ووجه كون العبادات مكملة لها أن المتلبس بها متوجه إلى عالم القدس معرض عن عالم الشهوات والمداومة على هذا الأمر سبب لصفاء النفس ومزيد استعدادها للاستفاضة من المبدأ الفياض بإفاضة ما هو سبب للسعادة الأبدية من معرفته ومعرفة صفاته وأفعاله سبحانه وتعالى على حسب الطاقة البشرية بصري عبارة ع ش قوله النطقية أي الإدراكية سم على حج . 

وقال في هامش شرح البهجة أي العقلية ا هـ ومعناهما واحد ، ثم قال وهل المراد بكمالها بها أنها تزيل نقصا يكون لولاها أو أنها تفيد اعتبارها والاعتداد بها فيه نظر ولا مانع من إرادة الأمرين انتهى انتهت ( قوله التحرز عن الجنايات ) الأولى ومكملها معرفة أحكام الجنايات ليعلم الجناية المحمودة شرعا كالجهاد ونحوه فيستعملها فيها ، والمذمومة شرعا كالجناية على مسلم ظلما فيردعها عنها فليتأمل بصري ( قوله وقدمت الأولى ) أي العبادات نهاية ( قوله لشرفها ) عبارة المغني اهتماما بالأمور الدينية ا هـ وعبارة النهاية لتعلقها بالأشرف ا هـ وهو الباري سبحانه وتعالى ع ش . 

وقال الرشيدي أي كمال القوى النطقية خلافا لما في حاشية شيخنا ا هـ 

فروع الفقه الحنبلي

شرح منتهى الإرادات

منصور بن يونس البهوتي

التحليل الموضوعي
[ ص: 13 ] ( كتاب الطهارة ) : هو خبر لمبتدإ محذوف ; أي هذا كتاب ، أو مبتدأ خبره محذوف ; أي مما يذكر كتاب ويجوز نصبه بفعل مضمر ، لكن لا يساعده الرسم إلا مع الإضافة ، وكذا يقال في نظائره وهو مصدر كالكتب والكتابة ، بمعنى الجمع ، ومنه الكتيبة بالمثناة للجيش ، والكتابة بالقلم لجمع الكلمات والحروف ، وهو هنا بمعنى المكتوب الجامع لمسائل الطهارة من بيان أحكامها وما توجبها ، وما يتطهر به ونحو ذلك ، فلذلك قالوا : إنه مشتق من الكتب . 

وبدأ الفقهاء بالطهارة لأن آكد أركان الإسلام ، بعد الشهادتين الصلاة : والطهارة شرطها والشرط مقدم على المشروط ، وقدموا العبادات اهتماما بالأمور الدينية ، ثم المعاملات لأن من أسبابها الأكل والشرب ونحوه من الضروري الذي يحتاج إليه الكبير والصغير وشهوته مقدمة على شهوة النكاح ، وقدموه على الجنايات والحدود والمخاصمات لأن وقوعها في الغالب بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج ( الطهارة ) مصدر طهر بالفتح والضم ، كما في الصحاح ، والاسم الطهر . 

وهي لغة : النظافة والنزاهة عن الأقذار حتى المعنوية ، وشرعا ( ارتفاع حدث ) أي زوال الوصف الحاصل به المانع من نحو صلاة وطواف ، والارتفاع مصدر ارتفع ، ففيه المطابقة بين المفسر والمفسر في اللزوم بخلاف الرفع ، ويأتي معنى الحدث ( وما في معناه ) أي معنى ارتفاع الحدث ، كالحاصل بغسل الميت لأنه تعبدي لا عن حدث وكذا غسل يدي القائم من نوم الليل . 

وما يحصل بالوضوء والغسل المستحبين ، وما زاد على المرة في وضوء وغسل وبغسل الذكر والأنثيين من المذي إن لم يصبهما ، وكوضوء نحو المستحاضة إن قيل لا يرفع الحدث ( بماء ) متعلق بارتفاع ( طهور مباح ) فلا يرتفع [ ص: 14 ] حدث بغير ماء طهور مباح ( وزوال خبث ) أي نجس حكمي ( به ) أي بالماء الطهور ( ولو لم يبح ) فتزول النجاسة بنحو مغصوب ، لأن إزالتها من قسم التروك ، بخلاف رفع الحدث ، وتزول النجاسة بالماء وحده إن لم تكن من نحو كلب ( أو ) بماء طهور ( مع تراب طهور أو نحوه ) كصابون وأشنان إن كانت منه ، فلا يكفي فيها الماء وحده ( أو ) زوال خبث ( بنفسه ) أي بغير شيء يفعل به ، كخمرة انقلبت بنفسها خلا ، وماء كثير متغير بنجاسة زال تغيره بنفسه ، فالباء للسببية المجازية ( أو ارتفاع حكمهما ) أي الحدث وما في معناه والخبث ( بما يقوم مقامه ) أي الماء كالتيمم والاستجمار - وهذا الحد لصاحب التنقيح ، وسبقه إلى قريب منه الموفق ، واعترضه الحجاوي ، كما أوضحته في الحاشية 


مسألة: الجزء الأول التحليل الموضوعي
[ ص: 13 ] ( كتاب الطهارة ) : هو خبر لمبتدإ محذوف ; أي هذا كتاب ، أو مبتدأ خبره محذوف ; أي مما يذكر كتاب ويجوز نصبه بفعل مضمر ، لكن لا يساعده الرسم إلا مع الإضافة ، وكذا يقال في نظائره وهو مصدر كالكتب والكتابة ، بمعنى الجمع ، ومنه الكتيبة بالمثناة للجيش ، والكتابة بالقلم لجمع الكلمات والحروف ، وهو هنا بمعنى المكتوب الجامع لمسائل الطهارة من بيان أحكامها وما توجبها ، وما يتطهر به ونحو ذلك ، فلذلك قالوا : إنه مشتق من الكتب . 

وبدأ الفقهاء بالطهارة لأن آكد أركان الإسلام ، بعد الشهادتين الصلاة : والطهارة شرطها والشرط مقدم على المشروط ، وقدموا العبادات اهتماما بالأمور الدينية ، ثم المعاملات لأن من أسبابها الأكل والشرب ونحوه من الضروري الذي يحتاج إليه الكبير والصغير وشهوته مقدمة على شهوة النكاح ، وقدموه على الجنايات والحدود والمخاصمات لأن وقوعها في الغالب بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج ( الطهارة ) مصدر طهر بالفتح والضم ، كما في الصحاح ، والاسم الطهر . 

وهي لغة : النظافة والنزاهة عن الأقذار حتى المعنوية ، وشرعا ( ارتفاع حدث ) أي زوال الوصف الحاصل به المانع من نحو صلاة وطواف ، والارتفاع مصدر ارتفع ، ففيه المطابقة بين المفسر والمفسر في اللزوم بخلاف الرفع ، ويأتي معنى الحدث ( وما في معناه ) أي معنى ارتفاع الحدث ، كالحاصل بغسل الميت لأنه تعبدي لا عن حدث وكذا غسل يدي القائم من نوم الليل . وما يحصل بالوضوء والغسل المستحبين ، وما زاد على المرة في وضوء وغسل وبغسل الذكر والأنثيين من المذي إن لم يصبهما ، وكوضوء نحو المستحاضة إن قيل لا يرفع الحدث ( بماء ) متعلق بارتفاع ( طهور مباح ) فلا يرتفع [ ص: 14 ] حدث بغير ماء طهور مباح ( وزوال خبث ) أي نجس حكمي ( به ) أي بالماء الطهور . 

( ولو لم يبح ) فتزول النجاسة بنحو مغصوب ، لأن إزالتها من قسم التروك ، بخلاف رفع الحدث ، وتزول النجاسة بالماء وحده إن لم تكن من نحو كلب ( أو ) بماء طهور ( مع تراب طهور أو نحوه ) كصابون وأشنان إن كانت منه ، فلا يكفي فيها الماء وحده ( أو ) زوال خبث ( بنفسه ) أي بغير شيء يفعل به ، كخمرة انقلبت بنفسها خلا ، وماء كثير متغير بنجاسة زال تغيره بنفسه ، فالباء للسببية المجازية ( أو ارتفاع حكمهما ) أي الحدث وما في معناه والخبث ( بما يقوم مقامه ) أي الماء كالتيمم والاستجمار - وهذا الحد لصاحب التنقيح ، وسبقه إلى قريب منه الموفق ، واعترضه الحجاوي ، كما أوضحته في الحاشية 

الفتاوى

مجموع فتاوى ابن تيمية


ة: الجزء الخامس عشر التحليل الموضوعي
ثم قال تعالى : { ذلكم أزكى لكم وأطهر } وقال : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وقال في آية الاستئذان : [ ص: 384 ] { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال : { فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } وقال : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { اللهم طهر قلبي من خطاياي بالماء والثلج والبرد } وقال في دعاء الجنازة : { واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس } . 

فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب ومعنى النماء بالأعمال الصالحة : مثل المغفرة والرحمة ومثل النجاة من العذاب والفوز بالثواب ومثل عدم الشر وحصول الخير ; فإن الطهارة تكون من الأرجاس والأنجاس وقد قال تعالى : { إنما المشركون نجس } وقال : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وقال : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } وقال عن المنافقين : { فأعرضوا عنهم إنهم رجس } . 

وقال عن قوم لوط : { ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث } وقال اللوطية عن لوط وأهله : { أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } قال مجاهد : عن أدبار الرجال ويقال في دخول الغائط { أعوذ بك من الخبث والخبائث } ومن الرجس النجس الخبيث [ ص: 385 ] المخبث وهذه النجاسة تكون من الشرك والنفاق والفواحش والظلم ونحوها وهي لا تزول إلا بالتوبة عن ترك الفاحشة وغيرها فمن تاب منها فقد تطهر وإلا فهو متنجس وإن اغتسل بالماء من الجنابة فذاك الغسل يرفع حدث الجنابة ولا يرفع عنه نجاسة الفاحشة التي قد تنجس بها قلبه وباطنه ; فإن تلك نجاسة لا يرفعها الاغتسال بالماء وإنما يرفعها الاغتسال بماء التوبة النصوح المستمرة إلى الممات . 

وهذا معنى ما رواه ابن أبي الدنيا وغيره : ثنا سويد بن سعيد ثنا مسلم بن خالد عن إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال : لو أن الذي يعمل - يعني عمل قوم لوط - اغتسل بكل قطرة في السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسا . ورواه ابن الجوزي وروى القاسم بن خلف في " كتاب ذم اللواط " بإسناده عن الفضيل بن عياض أنه قال : لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة نزلت من السماء للقي الله غير طاهر . وقد روى أبو محمد الخلال عن العباس الهاشمي ذلك مرفوعا . وحديث إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود : اللوطيان لو اغتسلا بماء البحر لم يجزهما إلا أن يتوبا ورفع مثل هذا الكلام منكر ; وإنما هو معروف من كلام السلف . 

وكذلك روي عن { أبي هريرة وابن عباس قالا : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته : من نكح امرأة في دبرها [ ص: 386 ] أو غلاما أو رجلا : حشر يوم القيامة أنتن من الجيفة يتأذى به الناس حتى يدخله الله نار جهنم ويحبط الله عمله ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا ويجعل في تابوت من نار ويسمر عليه بمسامير من حديد فتشك تلك المسامير في وجهه وجسده } قال أبو هريرة : هذا لمن لم يتب وذلك أن تارك اللواط متطهر كما دل عليه القرآن ففاعله غير متطهر من ذلك فيكون متنجسا ; فإن ضد الطهارة النجاسة ; لكن النجاسة أنواع مختلفة : تختلف أحكامها . 

ومن هاهنا غلط بعض الناس من الفقهاء ; فإنهم لما رأوا ما دل عليه القرآن من طلب طهارة الجنب بقوله : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قالوا : فيكون الجنب نجسا وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن المؤمن لا ينجس } لما انخنس منه وهو جنب وكره أن يجالسه فهذه النجاسة التي نفاها النبي صلى الله عليه وسلم هي نجاسة الطهارة بالماء التي ظنها أبو هريرة والجنابة تمنع الملائكة أن تدخل بيتا فيه جنب وقال أحمد : إذا وضع الجنب يده في ماء قليل أنجس الماء فظن بعض أصحابه أنه أراد النجاسة الحسية وإنما أراد الحكمية فإن الفرع لا يكون أقوى من الأصل ولا يكون الماء أعظم من البدن ; بل غايته أن يقوم به المانع الذي قام بالبدن والجنب ظاهره ممنوع من الصلاة فيكون الماء كذلك طاهرا يتوضأ به للصلاة
 



0 التعليقات:

خبير الاعشاب والتغذية العلاجية (خبير الاعشاب والتغذية العلاجية ) Powered by Blogger Design by Blogspot Templates